الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الشوكاني في الآيات السابقة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}.الفطر: الشقّ عن الشيء، يقال: فطرته فانفطر، ومنه: فطر ناب البعير إذا طلع، فهو بعير فاطر، وتفطر الشيء: تشقق، والفطر الابتداء والاختراع، وهو: المراد هنا، والمعنى: {الحمد للَّهِ} مبدع {السموات والأرض}، ومخترعهما، والمقصود من هذا: أن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم، فهو قادر على الإعادة.قرأ الجمهور: {فاطر} على صيغة اسم الفاعل، وقرأ الزهري، والضحاك: {فطر} على صيغة الفعل الماضي، فعلى القراءة الأولى هو نعت لله؛ لأن إضافته محضة لكونه بمعنى: الماضي، وإن كانت غير محضة كان بدلًا، ومثله: {جَاعِلِ الملائكة رُسُلًا} يجوز فيه الوجهان، وانتصاب رسلًا بفعل مضمر على الوجه الأوّل، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى: الماضي لا يعمل، وجوّز الكسائي عمله.وأما على الوجه الثاني، فهو منصوب بجاعل، والرسل من الملائكة هم: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل.وقرأ الحسن: {جاعل} بالرفع، وقرأ خليل بن نشيط، ويحيى بن يعمر: {جعل} على صيغة الماضي.وقرأ الحسن، وحميد: {رسلًا} بسكون السين، وهي لغة تميم {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ} صفة ل {رسلًا}، والأجنحة جمع جناح {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} صفة لأجنحة، وقد تقدّم الكلام في مثنى، وثلاث، ورباع في النساء.قال قتادة: بعضهم له جنحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة ينزلون بها من السماء إلى الأض، ويعرجون بها من الأرض إلى السماء.قال يحيى بن سلام: يرسلهم الله إلى الأنبياء.وقال السدّي: إلى العباد بنعمه، أو نقمه، وجملة {يَزِيدُ في الخلق مَا يَشَاء} مستأنفة مقرّرة لما قبلها من تفاوت أحوال الملائكة، والمعنى: أنه يزيد في خلق الملائكة ما يشاء، وهو: قول أكثر المفسرين، واختاره الفراء، والزجاج.وقيل: إن هذه الزيادة في الخلق غير خاصة بالملائكة، فقال الزهري، وابن جريج: إنها حسن الصوت.وقال قتادة: الملاحة في العينين، والحسن في الأنف، والحلاوة في الفم.وقيل: الوجه الحسن.وقيل: الخط الحسن.وقيل: الشعر الجعد.وقيل: العقل والتمييز.وقيل: العلوم، والصنائع، ولا وجه لقصر ذلك على نوع خاص بل يتناول كل زيادة.وجملة: {إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} تعليل لما قبلها من أنه يزيد في الخلق ما يشاء.{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} أي: ما يأتيهم الله به من مطر ورزق لا يقدر أحد أن يمسكه {وَمَا يُمْسِكْ} من ذلك لا يقدر أحد أن يرسله من بعد إمساكه.وقيل: المعنى: إن الرسل بعثوا رحمة للناس، فلا يقدر على إرسالهم غير الله.وقيل: هو الدعاء.وقيل: التوبة.وقيل: التوفيق، والهداية.ولا وجه لهذا التخصيص بل المعنى: كل ما يفتحه الله للناس من خزائن رحمته، فيشمل كل نعمة ينعم الله بها على خلقه، وهكذا الإمساك يتناول كل شيء يمنعه الله من نعمه، فهو سبحانه المعطي المانع القابض الباسط لا معطي سواه، ولا منعم غيره.ثم أمر الله سبحانه عباده أن يتذكروا نعمه الفائضة عليهم التي لا تعدّ ولا تحصى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، ومعنى هذا الأمر لهم بالذكر: هو إرشادهم إلى الشكر لاستدامتها، وطلب المزيد منها {هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله} من زائدة، وخالق مبتدأ، وغير الله صفة له.قال الزجاج: ورفع غير على معنى هل خالق غير الله؛ لأن من زيادة مؤكدة، ومن خفض غير جعلها صفة على اللفظ.قرأ الجمهور برفع: {غير}، وقرأ حمزة، والكسائي بخفضها، وقرأ الفضل بن إبراهيم بنصبها على الاستثناء، وجملة: {يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض} خبر المبتدأ.أو جملة مستأنفة، أو صفة أخرى لخالق، وخبره محذوف، والرزق من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، وغير ذلك، وجملة: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} مستأنفة لتقرير النفي المستفاد من الاستفهام {فأنى تُؤْفَكُونَ} من الأفك بالفتح، وهو الصرف، يقال: ما أفكك عن كذا، أي: ما صرفك، أي: فكيف تصرفون.وقيل: هو مأخوذ من الإفك بالكسر، وهو الكذب؛ لأنه مصروف عن الصدق.قال الزجاج، أي: من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله، والبعث، وأنتم مقرّون بأن الله خلقكم ورزقكم.ثم عزّى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: {وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} ليتأسى بمن قبله من الأنبياء، ويتسلى عن تكذيب كفار العرب له {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} لا إلى غيره، فيجازي كلًا بما يستحقه.قرأ الحسن، والأعرج، ويعقوب، وابن عامر، وأبو حيوة، وابن محيصن، وحميد، والأعمش، ويحيى بن وثاب، وحمزة، والكسائي، وخلف: {ترجع} بفتح الفوقية على البناء للفاعل، وقرأ الباقون بضمها على البناء للمفعول.{يا أيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي: وعده بالبعث، والنشور، والحساب، والعقاب، والجنة، والنار، كما أشير إليه بقوله: {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور}.{فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا} بزخرفها، ونعيمها.قال سعيد بن جبير: غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها، ولذاتها عن عمل الآخرة حتى يقول: {يَقُولُ ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} [الفجر: 24] {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} قرأ الجمهور بفتح الغين، أي: المبالغ في الغرور، وهو: الشيطان.قال ابن السكيت، وأبو حاتم: الغرور الشيطان، ويجوز: أن يكون مصدرًا، واستبعده الزجاج، لأن غرر به متعدي، ومصدر المتعدي إنما هو على فعل نحو ضربته ضربًا، إلاّ في أشياء يسيرة معروفة لا يقاس عليها، ومعنى الآية: لا يغرنكم الشيطان بالله، فيقول لكم: إن الله يتجاوز عنكم، ويغفر لكم لفضلكم، أو لسعة رحمته لكم.وقرأ أبو حيوة، وأبو سماك، ومحمد بن السميفع بضم الغين، وهو: الباطل.قال ابن السكيت: والغرور بالضم ما يغرّ من متاع الدنيا.وقال الزجاج: يجوز: أن يكون الغرور جمع غار، مثل قاعد، وقعود.قيل: ويجوز أن يكون مصدر غرّه كاللزوم، والنهوك، وفيه ما تقدّم عن الزجاج من الاستبعاد.ثم حذر سبحانه عباده من الشيطان، فقال: {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوًّا} أي: فعادوه بطاعة الله، ولا تطيعوه في معاصي الله.ثم بيّن لعباده كيفية عداوة الشيطان لهم، فقال: {إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أصحاب السعير} أي: إنما يدعو أشياعه، وأتباعه، والمطيعين له إلى معاصي الله سبحانه لأجل أن يكونوا من أهل النار، ومحل الموصول في قوله: {الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} الرفع على الابتداء، و{لهم عذاب شديد} خبره، أو الرفع على البدل من فاعل {يكونوا}، أو النصب على البدل من {حزبه}، أو النعت له، أو إضمار فعل يدل على الذمّ، والجرّ على البدل من أصحاب، أو النعت له.والرفع على الابتداء أقوى هذه الوجوه، لأنه سبحانه بعد ذكر عداوة الشيطان ودعائه لحزبه، ذكر حال الفريقين من المطيعين له، والعاصين عليه، فالفريق الأوّل قال: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}، والفريق الآخر قال فيه: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} أي يغفر الله لهم بسبب الإيمان والعمل الصالح، ويعطيهم أجرًا كبيرًا، وهو: الجنة.{أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَنًا} هذه الجملة مستأنفة لتقرير ما سبق من ذكر التفاوت بين الفريقين، و من في موضع رفع بالابتداء، وخبره محذوف.قال الكسائي: والتقدير ذهبت نفسك عليهم حسرات.قال: ويدلّ عليه قوله: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} قال: وهذا كلام عربيّ ظريف لا يعرفه إلاّ القليل.وقال الزجاج: تقديره كمن هداه، وقدّره غيرهما كمن لم يزين له، وهذا أولى لموافقته لفظًا، ومعنى، وقد وهم صاحب الكشاف، فحكى عن الزجاج ما قاله الكسائي.قال النحاس: والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره من الدلالة على المحذوف، والمعنى: أن الله عزّ وجلّ نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن شدّة الاغتمام بهم، والحزن عليهم كما قال: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ} [الكهف: 6] وجملة {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء} مقرّرة لما قبلها، أي: يضلّ من يشاء أن يضله، ويهدي من يشاء أن يهديه {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} قرأ الجمهور بفتح الفوقية، والهاء مسندًا إلى النفس، فتكون من باب: لا أرينّك ها هنا.وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وابن محيصن، والأشهب بضم التاء، وكسر الهاء، ونصب {نفسك}، وانتصاب {حسرات} على أنه علة، أي: للحسرات، ويجوز: أن ينتصب على الحال كأنها صارت كلها حسرات لفرط التحسر كما روي عن سيبويه.وقال المبرد: إنها تمييز.والحسرة شدّة الحزن على ما فات من الأمر {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} لا يخفى عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية، والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنته من الوعيد الشديد.وقد أخرج أبو عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما {فاطر السماوات والأرض} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: ابتدأتها.وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: {فَاطِرَ السموات} بديع السموات.وأخرج ابن المنذر عنه أيضًا في قوله: {يَزِيدُ في الخلق مَا يَشَاء} قال: الصوت الحسن.وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} الآية قال: ما يفتح الله للناس من باب توبة {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} هم يتوبون إن شاءوا وإن أبوا، وما أمسك من باب توبة {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}، وهم لا يتوبون.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم في الآية قال: يقول: ليس لك من الأمر شيء.وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} قال: كل شيء في القرآن لهم مغفرة، وأجر كبير، ورزق كريم، فهو: الجنة.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة، والحسن في قوله: {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ} قال: الشيطان زين لهم، هي والله الضلالات {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} أي: لا تحزن عليهم. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)}.وَعْدُ اللَّهِ حقٌّ في كل ما أخبر به أنه يكون، فَوعْدُه في القيامة حقٌ، ووعده لِمَنْ أطاعه بكفاية الأمور والسلامة حقٌّ، ووعده للمطيعين في الآخرة بوجود الكرامة حقٌّ، وللعاصين بالندامة حقٌّ، فإذا عَلِمَ العبدُ ذلك استعدَّ للموت، ولم يهتم بالرزق، فيكفيه اللَّهُ شُغْلَه، فينشط العبدُ في استكثار الطاعة ثقةً بالوعد، ولا يُلِمُّ بالمخالفات خوفًا من الوعيد.{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)}.عدواةُ الشيطان بدوام مخالفته؛ فإنَّ مِنَ الناس مَنْ يعاونه بالقول ولكن يوافقه بالفعل، ولن تقوى على عداوته إلا بدوام الاستغاثة بالربِّ، وتلك الاستغاثة تكون بصدق الاستعانة. والشيطانُ لا يفتر في عداوتك، فلا تَغْفَلْ أنت عن مولاك لحظةً فيبرز لك عدوُّك؛ فإنه أبدًا متمكِّنٌ لك.{إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ} وحِزْبه هم المُعرِضون عن الله، المشتغلون بغير الله، والغافلون عن لله. ودليلُ هذا الخطاب: إن الشيطانَ عدوُّكم فأبغضوه واتخذوه عدوًا، وأنا وَلِيُّكُم. وحبيبُكم فأَحِبُّوني وارْضَوْا بي حبيبًا.{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)}.الذين كفروا لهم عذابٌ مُعَجَّلٌ وعذابٌ مُؤَجَّلٌ، فَمُعَجَّلُه تفرقةُ قلوبهم وانسداد بصائرهم ووقاحة هِمَّتِهم حتى أنهم يرضون بأن يكون الصنمُ معبودَهم. وأمَّا عذاب الآخرة فهو ما لا تخفى على مسلم- على الجملة- صعوبتُه.وأَمَّا {وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فلهم مغفرةٌ أي سَتْرٌ لذنوبهم اليومَ، ولولا ذلك لافتضحوا، ولولا ذلك لَهَلَكُوا.{وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}: والأجرُ الكبيرُ اليومَ سهولةُ العبادةِ ودوامُ المعرفة، وما يناله في القلب من زوائد اليقين وخصائص الأحوال. وفي الآخرة: تحقيقُ السُّؤْلِ ونَيْلُ ما فوق المأمول.{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}.معنى الآية: أفمن زين له سوءُ عمله فرآه حسنًا كمن ليس كذلك؟ لا يستويان!ومعنى {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} أن الكافرَ يَتَوَهَّمُ أَنَّ عملَه حَسَنٌ، قال تعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104].ثم الراغبُ في الدنيا يجمع حلالَها وحرامَها، ويحوّش حُطَامها، ولا يفكر في زوالها، ولا في ارتحاله عنها قبل كمالها؛ فلقد زين له سوء عمله. وإن الذي يُؤَثِرُ على ربِّه شيئًا من المخلوقات لَهُوَ من جملتهم. والذي يتوهَّمُ أنه إذا وَجَدَ نجاتَه ودرجاتِه في الجنة- وأنَّ هذا يكفيه.. فقد زُيِّن له سوءُ عمله حيث يتغافل عن حلاوة المناجاة. والذي هو في صحبة حظوظه ولا يُؤْثِرُ حقوق اللهِ فلقد زين له سوء عمله فرآه حسنًا.{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}: يعني إذا عَرَفْتَ حقَّ التقدير، وعَلِمْتَ أنهم سقطوا من عين الله، ودَعَوْتَهم جَهْرًا، وَبذلَتْ لهم نُصْحًا، فاستجابتُهم ليست لك، فلا تَجْعَلْ على قلبك من ذلك مشقةً ولا عناءً. اهـ.
|